الثلاثاء، 19 نوفمبر 2019

رؤيا النبي إبراهيم ، تحليل وقرأة جديدة ..



يقول الله عن النبي إبراهيم ..فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ..
..فهل النبي إبراهيم فهم الحلم بانه أمر  رباني الزامي ، يجب تنفيذه كما هو ، دون ان يؤوله ( يفسره ، يعبره ) الى  معنى أخر ?!
..الم يسئل ابراهيم نفسه ، لماذا ربنا لم يرسل جبريل  في وضح النهار ليخبره بهذا الامر الجلل ؟ بدلا من ان يوحي اليه اثناء المنام ؟
.. هل فعلا رؤيا الانبياء ، وحي  وأمر الزامي من الله كما يظهر في الحلم ، دون ان يتطلب تفسيره ؟ وماذا عن حلم النبي يوسف ، فهل نزلوا الكواكب والشمس والقمر من السماء وسجدوا ليوسف ؟
..الم يحلم النبي محمد في منامه بانه راى عنقود بلح في الجنة ، قيل له بانه يخص ابي جهل ..وقد رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه أنه دخل الجنة ورأى فيها عذقاً مدلى- عناقيد البلح-  فأعجبه وقال: لمن هذا فقيل: لأبي جهل، فشقّ ذلك عليه وقال: ما لأبي جهل والجنة والله لا يدخلها أبداً، فإنها لا تدخلها إلا نفس مؤمنة، فلما أتاه عكرمة بن أبي جهل مسلمًا فرح به وقام إليه، وتأول ذلك العذق عكرمة ابنه..
..هل فعلا النبي ابراهيم ، هم بذبح ابنه اسماعيل ، ام انه فسر الحلم بطريقة اخرى وفعل شيء اخر مع ابنه ، وماذا فعل مع ابنه ،
.. فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ..
.. ماذا لو أن ابراهيم قام بختن ابنه اسماعيل ، تأويلا لمعنى ( الذبح ) الحلم الذي رأه في المنام ، فنزل جبريل وأيده وصدقه في فعله ذلك وكافأه بذبح  حيوان ملازما لختن ابنه اسماعيل ..فاصبحت سنة متبعة بين كل المسلمين حتى قيام الساعة ..

ارجو ان تقرأوا تحليل ابن عربي لحلم النبي ابراهيم ..
..

كتب نوفل سلامة

 في مثل هذه الأيام والعالم الإسلامي يعيش على وقع موسم الحج أحد أركان الإسلام الخمسة وما يحتوي عليه من شعائر ومناسك مقدسة لها وقعها الكبير في نفوس المؤمنين ولها رمزيتها ودلالتها الكبيرة بما تحمله من عمق تاريخي وثقل إيماني ، يستعيد المسلمون قصة النبي ابراهيم ورؤياه التي رآها في المنام أن الله يأمره أن يذبح أبنه وأن يقدمه قربانا له عربونا لطاعته ودليلا على إمتثاله لأوامره رغم أن القربان هو إبنه وفلذة كبده الذي انتظر قدومه طويلا .

ومع هذا الاستحضار الذي يحصل في كل مرة مع مناسك الحج يعاد ذالك النقاش الديني حول تحديد هوية الذبيح هل هو إسماعيل ابن الجارية كما يقول المسلمون ؟ أم هو إسحاق ابن الحرة كما يذهب إلى ذلك اليهود ؟ ومعه يعاد الحديث عن المغزى من هذه القصة المؤثرة والتي كاد بسببها أن تفنى البشرية بعد أن يتم ذبح الكثير من الذكور امتثالا لأمر الله ومواصلة لما قام به النبي إبراهيم ومع هذا الاستحضار يستأنف كذلك الكلام حول دلالة التجربة و الاختبار والابتلاء في حياة المسلم باعتباره صورة من صور الامتثال لأوامر الله وطاعته في كل الأحوال فالمؤمن الحق وفق قصة الذبح والفداء هو الذي لا يتردد في تطبيق أوامر الله مهما بدت صعبة ومكلفة للفرد.

غير أنه بعيدا عن هذه الأفكار الشائعة والتي يتم تداولها بكثرة في خطب الجمعة والدروس التي تلقى في المساجد أود أن أطرح مقاربة تأويلية وفهما تفسيريا مختلفا عما هو متداول في كتب التفسير التقليدية ورؤية قرآنية لقصة الذبح مختلفة تماما عما نجده في المدونة التفسيرية السنية هذا الفهم المختلف يعود إلى الشيخ محي الدين ابن عربي الأندلسي الصوفي المولود سنة 1164 ميلادي والمتوفى سنة 1240 ميلادي الذي خالف كل المفسرين القدامي وخرج عن الفهم السائد الذي نجده في كل كتب التفسير السنية.

يذهب ابن عربي في فهم الأمر الإلهي الموجه إلى النبي ابراهيم بذبح إبنه والامتثال إلى الرؤية التي رآها في حلمه بتقديم فلذة كبده قربانا إلى الله أن حقيقة التجربة والابتلاء التي خضع لهما ابراهيم لا علاقة لهما بالطاعة والامتثال للوحي وإنما لهما صلة وارتباط  بالفهم والتأويل الصحيح لمراد كلام الله وخطابه فسيدنا ابراهيم من خلال رؤيا المنام قد خضع إلى تجربة في الفهم والتأويل ولم يخضع إلى امتحان لمعرفة مدى طاعته لربه وامتثاله لأوامره وهذا يعني أن بن عربي بهذا الفهم الذي يقدمه يفتح مسارا مختلفا في فهم الوحي الإلهي و يعرض رؤية تفسيرية جديدة لتدبر الوحي تقوم على دعوة المؤمن والمتدين أن لا يتعامل مع الوحي الالهي من خلال ظاهر نصوصه وظاهر معناه وإنما هو مطالب بإعمال العقل واستعمال أداة التأويل لفهم المعاني الرمزية للوصول الى حقيقة المعنى الحقيقي لمراد الخطاب الالهي.

فحسب ابن عربي فإن قوله تعالى " فلما بلغ معه السعي قال يا بني إني أرى في المنام أني اذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء الله من الصابرين " الصافات / 102. لم يكن المقصود من هذه الآية اخضاع ابراهيم إلى تجربة قاسية وامتحان صعب لمعرفة مدى طاعته لربه ومدى امتثاله لأوامره كما روج إلى ذلك جل المفسرين وإنما الاختبار والامتحان الحقيقي في معرفة كيف سيؤول ابراهيم مطلب الذبح ؟ وحتى لا يتهم بمخالفة ما اتفق عليه من كون رؤيا الأنباء وحي وأن رؤياهم حق فإنه يعتبر أن الابتلاء الذي خضع له ليس في صدق الرؤية وإنما في صدق التأويل والفهم وفي هذا السياق يعتبر ابن عربي أن ابراهيم لم يوفق في هذا الامتحان وهذا الاختبار حينما فهم حقيقة حلمه  وتعامل معه على ظاهره وظن أن الله يطالبه ويأمره بذبح إبنه والحال أن الابتلاء الكبير كان في تفسير الرؤية وفهم الحلم ولما لم يوفق في الوصول إلى حقيقة كلام الله تدخل الوحي وصحح القصد وصحح الفهم والتفسير بأن عوض ذبح الابن بذبح الكبش فمنذ البدء لم تكن غاية الله أن يذبح ابراهيم ابنه وإنما الغاية الأولى كانت معرفة كيف يؤول ابراهيم الوحي ؟ وكيف يفهم الخطاب الديني ؟ هل يفهمه على ظاهره أم يؤول معناها ليصل الى حقيقته غير الظاهرة والذي لا يمكن إدراكها إلا بعد تدبر وبعد تأويل وإعمال عقل.

فالمغزى من القصة ليس الفداء ولا الطاعة ولا الامتثال بذبح الابن وإنما حقيقة القصة هو تعليم ابراهيم ومن ورائه المؤمنين كيف يفهمون كلام الله وكيف يتأولون معنى الوحي وكيف أنهم مطالبون بتجاوز  ظاهر النصوص إلى التعرف على عمق الآيات وما وراء الكلمات الظاهرة فالاختبار الالهي مع ابراهيم كان في الفهم والتأويل ولم يكن في الامتثال والانقياد والطاعة وما قصة الذبح إلا رمز الى خطورة الفهم الظاهري ودعوة إلى التدبر والفهم العميق باعتباره هو وحده الذي يقرب المؤمن من خالقه ويجعله يعبده على حق وعلى بصيرة وليس لا على حرف كما ذكر القرآن حينما استنكر على البعض كيف يعبدون الله من خلال الفهم الحرفي السطحي الظاهري في قوله تعالى " ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خبر اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة "  الحج / 11.

 فإلى أي مدى يصح هذا الفهم وهذا التأويل الذي ذهب إليهما ابن عربي ؟ وما تأثير هذا التفسير الذي يقدمه هذا الصوفي على أحداث القصة الشائعة بين المسلمين وعلى تحربة المحنة والاختبار الذي خضع لهما خليل الله حينما انقاد إى أمر ربه وكاد يذبح ابنه  دون تأويل وتدبر عميق لمراد الله ؟

وهذا ايضا توضيح اخر لتحليل  حلم ابراهيم  ..
..
د. نارت قاخون

يستعيد كثير من “الخطباء” و”المشايخ” و”الدعاة” في مواسم الحجّ، قصة إبراهيم عليه السلام ورؤياه بذبح ابنه. فينشغل بعضهم بقضيّة تحديد “الذبيح”؛ هل هو “إسحاق” أم “إسماعيل” عليهما السلام؟ وقد يتجاوزها بعضهم إلى قضية محوريّة في هذه القصة، وهي قضية “الابتلاء”.
و”الابتلاء” من منظور القراءة السائدة الشائعة للقصة، هو في “أمرِ الله نبيَّه إبراهيم أن يذبح “ابنَه””؛ فهذا الأمر وفق المقاييس العقليّة والأخلاقيّة والدينيّة أمرٌ عظيم، تستعظم العقول والنفوس صدوره عن الله عزّ وجلّ، وهو أرحم الراحمين، والعادل الذي لا يظلم أبداً.
ورغم النهاية “السعيدة” التي تنتهي بها القصة؛ بفداء “الذبيح” بذبح عظيم، إلا أنّ إخضاع إبراهيم لتجربة “الأمر بذبح الابن” تظلّ قاسية شديدة. لذلك، يهرع أغلب المفسّرين إلى بيان عِظم الابتلاء وشدّة الاختبار، معلّلين ذلك بعلل شتى، ومفترضين حِكماً مختلفة.
هذا الفهم “الشائع” السائد يقوم على “النسق التفسيريّ” الآتي:
1. قوله تعالى على لسان إبراهيم عليه السلام “فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ”(الصافات، الآية 102).
ففي هذه الآية يخبر إبراهيم ابنَه “إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ”، أي إنّ الصورة المرئيّة في المنام هي ذبح إبراهيم ابنَه.
2. “رؤيا الأنبياء” في المنظور الديني “رؤيا حقّ”، أي هي وحي من الله وأمر.
3. الواجب على الأنبياء هو الامتثال لأمر الله ووحيه مهما بلغ الأمر شدّة وقسوة، فمقام النبوّة هو أعلى مقامات “العبوديّة” والامتثال لأوامر الله.
النتيجة وفق هذا النسق التفسيري: أن يذبح إبراهيم ابنَه.
لكن وفق هذا التفسير، لا تتحقّق النتيجة لأنّها ليست مراد الله حقّاً، بل مراده “اختبار إبراهيم” ودرجة امتثاله وانقياده لأوامر الله، فهذا الذي جرى لإبراهيم كان ابتلاء وبلاء عظيماً “إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلاء الْمُبِينُ”(الصافات، الآية 106). ولما “نجح إبراهيم” بهذا الابتلاء، كانت النتيجة النهائية أن فدى اللهُ “الذبيحَ” بذبح عظيم “وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ”(الصافات، الآية 107).
 هذا هو النسق التفسيري الشائع الذي ينطلق منه أغلب المفسّرين والدعاة والمشايخ في خطبهم ودروسهم وكُتيّباتهم وكتبهم، فتجدهم يبالغون في قضية “الابتلاء” وآثارها، محاولين ما استطاعوا سبيلاً الخروج من مأزق سؤال “قسوة الأمر بذبح الابن” ابتداءً.
لكن هل هذا هو النسق التفسيري أو التأويليّ الممكن الوحيد؟ ألا يوجد نسق ممكن آخر؟ للإجابة عن ذلك أتوجّه إلى ما قاله الشيخ محيي الدين بن عربي في “فصوص الحكم”، تحت عنوان “فص حكمة حقيّة في كلمة إسحاقيّة”؛ متجاوزاً قضيّة “هويّة الذبيح” التي يرى ابن عربي أنّه “إسحاق” لا “إسماعيل”، إلى رؤيته لرؤيا إبراهيم وفهمه لها.
يقول ابن عربي: “اعلم أيّدنا الله وإيّاك أنّ إبراهيم الخليل عليه السلام قال لابنه: “إنّي أرى في المنام أنّي أذبحك”، والمنام “حضرة الخيال” فلم يعبرها. وكان كبش ظهر في صورة ابن إبراهيم في المنام فصدّق إبراهيم الرؤيا، ففداه ربّه من “وهم إبراهيم” بالذبح العظيم الذي هو تعبير رؤياه عند الله تعالى وهو لا يشعر، فالتجلّي “الصوري” في حضرة الخيال محتاج إلى علم آخر يُدرك به ما أراد الله تعالى بتلك الصورة”.
هكذا فإنّ النسق التأويلي لقصة الرؤيا ينقلب عند ابن عربي انقلاباً يكاد يكون كليّاً، وفق الخطوات الإجرائيّة الآتية:
1. رأى إبراهيم عليه السلام “في المنام” أنّه يذبح ابنه.
2. هذا الذي رآه إبراهيم هو “صورة الرؤيا” كما هي، أي “المشهد “العيني” للرؤيا.
3. “الرؤيا” حقّ، لكنها لا تفيد الدلالة بظاهر “الصورة” بل بـ”التعبير”، والتعبير كما يقول ابن عربي هو “الجواز من صورة ما رآه إلى أمر آخر”.
4. وهِم إبراهيم عليه السلام وأخطأ حين لم يعبر “الرؤيا” ووقف عند “ظاهر الصورة” فظنّ أنّ الله يأمره أن يذبح ابنه حقيقة.
5. “ذبحُ ابنِ إبراهيم” ليس أمرَ الله ومرادَه، بل هو خطأ إبراهيم في فهم مراد الله.
6. يؤيد ذلك عند ابن عربي أمور منها:
– كلّ ما ورد في القرآن من نماذج للرؤيا لم يكن المراد منها ظاهر الصورة، وفي قصة يوسف أمثلة كثيرة.
– قوله تعالى في وصف “فهم إبراهيم” للرؤيا “قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا” (الصافات، الآية 105)، ولم يقل “قد صدَقت الرؤيا”، فـ”صدّق” تعني أنّ إبراهيم عليه السلام طابق بين صورة الرؤيا ودلالتها، لكنه لم يستطع بلوغ “صِدق” الرؤيا التي تتحقّق بالعبور من “ظاهرها” إلى “تأويلها” الذي هو المراد منها.
7. يرى ابن عربي أنّ البلاء المبين هو في “تأويل الرؤيا” لا في “الأمر بذبح ابن إبراهيم”، وعليه يكون الاختبار الإلهيّ في “الفهم والتأويل” لا في “الامتثال والانقياد والطاعة”.
8. ولأنّ الله محسن كريم رحيم، تجاوز عن “خطأ إبراهيم ووهمه في التأويل” فلم يتركه يذبح ابنَه ففداه بالذبح العظيم الذي كان ابتداءً مراد الله ومقصده.
هذا النسق التأويلي يحقّق، من وجهة نظري، شروط القوّة والنجاعة التأويليّة أكثر بكثير من “التفسير الشائع السائد”، فهو ينسجم مع مقدّمة “رحمة الله وعدله” الذي لا يأمر بأمر تستقبحه العقول والنفوس ابتداءً، كالأمر بذبح الولد. ثمّ هو متّسق مع مفهوم “الرؤيا” في القرآن والأحاديث التي تجعلها دوماً موضع تأويل وعبور من “الظاهر” إلى “التأويل” المراد.
كما يتسق هذا التأويل مع النسق النّصي اللغوي للآيات، حين نرى دلالات استعمال “إنّي أرى في المنام أنّي أذبحك”؛ فالآية تحكي ما رآه إبراهيم وفهمه هو عليه السلام. ويظهر ذلك أيضاً في استعمال القرآن الفعل “صدّق” بتشديد الدال عوض “صدَق” بالدال المخفّفة، وهذا الانزياح عن الثانية للأولى يحمل دلالة ومقصداً تأويلياً.
وفوق ذلك كلّه، فإنّ نسق التأويل هذا يحمل الكثير من ممكنات “الانبثاق التأويلي” والغنى الدلاليّ؛ فابن عربي يجعل القضية في بؤرة “الفهم” و”التأويل”، وبذلك تصبح قصة إبراهيم عليه السلام بهذا التأويل موضع استثمار غنيّ في قضية فهم القرآن وأخطاء التأويل؛ فخلاصة مثل هذا التأويل تقول لنا: حين يأتينا الوحي من عند الله بصورة “ظاهرة” يردّها الدليل العقليّ فإنّ مراد الله فيها هو أن نعبر من الصورة الظاهرة إلى المعنى التأويليّ الذي ينسجم والدليلَ العقليّ وفهمَنا لما يليق أن يكون أمراً من الله.
إنّها خلاصة تعيد سؤال “التأويل” سؤالاً مركزيّاً في فهم القرآن، وفهم أوامر الله، وتوقفنا في مواجهة نتائج الخطأ في الوقوف عند “ظاهر الآيات” دون مراعاة للدليل العقليّ، فهذا إبراهيم عليه السلام وهو مَن هو، كاد أن يقتل “ابنَه” بخطأ التأويل أو عدم التأويل حين وقف عند “ظاهر الصورة” ولم يعبر بها إلى ما تقتضيه العقول وآليات التأويل.
وكم عانينا ونعاني من نفر لم يتعلّموا هذا الدرس الإلهيّ لإبراهيم، فوقفوا عند ظاهر الآيات التي يقتضي ظاهرها التأويل، فاستباحوا دماء الأبناء والآباء والأمهات والآمنين والضعفاء من النّاس، ظانّين أنّهم لأمر الله فاعلون وأنّهم لمراد الله يمتثلون وينقادون، وهم في حقيقة الأمر مأسورون لأوهامهم وأخطائهم التي جرّت علينا ويلات من الدماء والفتن والدمار.
وكما يُنسب لعلي بن أبي طالب أو عمّار بن ياسر، بل يرفعه بعضهم لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: “إنّ منكم مَن يقاتل على تأويل هذا القرآن كما قاتلتُ على تنزيله”، وبعض النّظر عن البحث الإسنادي في الرواية، فإنّ مقتضى الدراية لهذا الأثر أنّ سؤال القرآن الذي يتجدّد في كلّ زمان بعد “تمام التنزيل” هو سؤال “التأويل”، ففي “صراع التأويلات” صراع “الحياة والحضارة والإنسان وسعادته” مع قوى “الموت والهمجيّة ..