الثلاثاء، 1 يوليو 2025

وإنها لكبيرة ،لمن يعود الضمير ؟



✨ "وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ": عندما يكون الضمير عائدًا إلى مشروع روحي لا إلى كلمة مفردة

قراءة تأملية في دلالات "الكِبر" في القرآن الكريم

🔹 مقدمة

في اللغة، يُفترض أن يعود الضمير على اسمٍ ظاهر قريب، يتطابق معه في الجنس والعدد.
لكن في القرآن الكريم — هذا النص الفريد — لا تُعامل الضمائر كأدوات لغوية باردة، بل ككُوى روحية تضيء بها معانٍ تتجاوز الظاهر، لتلمس بنية الحدث وتكليف الإنسان ومشروعه الوجودي.
ومن أبرز الأمثلة على هذا: قوله تعالى:

"واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرةٌ إلا على الخاشعين" (البقرة:45)

ما المقصود بـ"إنها"؟
وما "الكبيرة"؟
وهل تعود فقط على "الصلاة"؟ أم على تكليف مركّب؟
وهل هذا الاستعمال فريد، أم أنه نمط قرآني متكرّر؟
فلنغُص في ايتين .

① الآية الأولى: "وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ" – [البقرة: 45]

"واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين"

🔍 التأمل:

في ظاهر اللغة، أقرب مرجع مؤنث هو "الصلاة".
لكن في التأمل الدقيق، نجد أن "الصبر والصلاة" شُكّلا معًا كتركيبة عبودية واحدة.

الصبر هنا يشمل الصيام، والتحمّل، والجلد النفسي.

والصلاة ليست فقط عبادة تعبدية، بل أيضًا صلة بالخلق، قد تُترجم بالصدقة، والرحمة، والعطاء.

وبالتالي، فإن الضمير في "إنها" لا يعود فقط على "الصلاة"، بل على فريضة جامعة من الصبر والصلاة،
أي: مشروع "الاستعانة بالله عبر الانضباط النفسي والارتباط الروحي".
وهذا المشروع كبير،

ليس فقط في فعله،

بل في أثره،

وثقله على النفس،

ولا يقدر عليه إلا الخاشعون: أولئك الذين خضعت قلوبهم، واستوت بوصلها بالله وبالناس.

② الآية الثانية: "وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً" – [البقرة: 143]

"وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه، وإن كانت لكبيرة إلا على الذين هدى الله..."

🔍 التأمل:

هنا أيضًا، يسبق التعبير ذكر القبلة والتحوّل من بيت المقدس إلى المسجد الحرام.
لكن التعبير يتسع أيضًا ليحمل معاني أعمق:

أن تكون أمة وسطًا، أي: مسؤولية الشهادة الحضارية والميزان بين الناس.

أن تلتزم بأمرٍ قد يُخالف ما ألفه الناس سابقًا، لكنه نابع من أمر الله.

فالضمير "كانت" قد يعود على:

القبلة وتحولها.

أو المهمة الكبرى التي تفرضها تلك القبلة: الوسطية والشهادة.

وكلتاهما ثقيلتان — "كبيرتان" — على النفس،
ولا يستطيع أن يحمل عبأهما إلا من هُدِي قلبه إلى معنى الاتباع، لا الشكل.


📌 خلاصة بلاغية وروحية

الضمائر في القرآن ليست مجرد روابط نحوية، بل:

مرآة للعمق الروحي للمواقف والمفاهيم.

وعبارة "إنها لكبيرة" لا تشير إلى شيء ظاهر فقط، بل غالبًا:

إلى منظومة تكليفية

أو مشروع عبودي

أو امتحان باطني يُفرز المؤمن من المتزلزل

🟩 النتيجة الكبرى

الكِبر في القرآن = ثِقل في المسؤولية + عمق في المقصد + دقة في الاختبار

والضمير في مثل هذه المواضع:

لا يعود فقط على اسم ظاهر،

بل على مضمون خفيٍّ شامل،

وعلى روح العبادة لا صورتها،

وعلى تكليف داخلي لا سلوك خارجي فقط.

✨ الختام:

في كل مرة نقرأ فيها:
"وإنها لكبيرة"،
فلنسأل أنفسنا:

هل نحن ننظر إلى "الكلمة" فقط؟
أم إلى الرسالة التي تحملها؟
وهل نحن من أولئك الخاشعين الذين يسهل عليهم حمل "الكبيرة"،
لأنها في نظرهم... طريقٌ إلى الله؟


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق