السبت، 12 يوليو 2025

على شاطئ الوادي نظرت حمامة - تفسير حديث

 


📜 قصيدة عشق في هيئة غزل... ولكن المعشوقة هي الكعبة المشرفة!
حين يكتب الشعراء، لا تُؤخذ كلماتهم دائمًا على ظاهرها، فكثيرًا ما يلفّون المعاني بستار العاطفة، ويعمدون إلى "التشبيه بالنساء" ليشيروا إلى ما هو أقدس من النساء.
وهذا ما نراه جليًا في هذه القصيدة المنسوبة إلى يزيد بن معاوية، التي يُخيّل لقارئها لأول وهلة أنها من شعر العشق والغرام، وهي في الحقيقة أعمق من ذلك بكثير… هي قصيدة شوق وهيام بالحرم الشريف، وبالبيت العتيق، وبزمزم والحطيم والمقام.
انظر إلى هذا البيت البليغ:

أُشير إليها بالبنان كأنما
أُشير إلى البيت العتيق المعظم

هنا يتجلى المعنى بلا لبس. فالمحب المتيم لا يتحدث عن فتاة بعينها، بل عن كعبةٍ مهيبة تستحق الإشارة، والتقديس، والتبتل.
ثم تتالى الأوصاف الرمزية:

مهذبة الألفاظ، مكية الحشا
حجازية العينين، طائية الفم

كل لفظ هنا مشحون بالرمز:

مكية الحشا... فكيف تكون الحشا إلا في أم القرى؟

حجازية العينين... إشارة إلى أرض الحجاز، حيث البيت الحرام.

طائية الفم... قد تكون إحالة إلى الفصاحة أو إلى نقاء التعبير.

وفي هذا البيت يبلغ التلميح منتهاه:

والله لولا الله والخوف والرجا
لعانقتها بين الحطيم وزمزم

هل يتحدث عاشق عن امرأة؟ أم عن بيت الله، الذي تهفو إليه الأرواح، وتشتعل الأشواق في جوانب القلب عند ذكره؟
وهو يقرّ بأن الدافع الذي منعه من “معانقتها” هو الخوف من الله والرجاء فيه، أي أنه يقف على عتبة التعبد، لا الهوى الجسدي.
وفي بيت آخر:

فوسدتها زندي وقبلت ثغرها
وكانت حلالاً لي لو كنتُ محرم

أليس هذا وصفًا لمن طاف بالبيت، وأحاطه بذراعيه، يقبّله بمحبة؟
وكأنه يقول: لو كنت محرمًا — أي في نسك الحج أو العمرة — لجاز لي هذا التقديس وهذا القرب.
ويمضي في الأوصاف التي تُعد في ظاهرها غزلية، لكنها تخفي خلفها هيبة الحضور في حضرة البيت المقدّس، كقوله:

أغار عليها من أبيها وأمها
ومن خطوة المسواك إن دار في الفم
أغار على أعطافها من ثيابها
إذا ألبستها فوق جسم منعم

إنها الغيرة على الكعبة من كل شيء يلامسها، أو يقترب منها… حتى الثياب والماء والمصلين.
وفي ختام القصيدة:

ألا فاسقني كاسات خمر وغن لي
بذكر سُليمى والرباب وزمزم

هنا تتجلّى صورة الخمر الروحي، خمر العارفين، لا خمر السكر… والغناء ليس تغنّيًا بالدنيا، بل تغنٍّ بأقدس ما فيها: زمزم.
🔹 الخلاصة:
ليست القصيدة ماجنة ولا شهوانية، كما قد يظن المتعجل، بل هي من طراز خاص في الشعر العربي، حيث يلبس الشاعر ثوب العاشق ليتحدث عن أشرف معشوقة عرفها المؤمنون: الكعبة المشرفة.
اقرأوها بهذا الفهم... ستجدونها ترنيمة حب لله، وحنينًا للحرم، واشتياقًا للحظات الطواف والصفا والزمزم، لا لمحبوبة من لحم ودم.

الشاعر/ يزيد بن معاوية

أراك طروبـا والـهـاً كـالـمـتـيـم = = تطـوف بأكناف السقـاف المخيمِ
أصابـك سهـم أم بلـيـت بنظـرةِ == فمـا هــذه إلا سجـيـه مرهـمِ
على شاطي الـوادي نظـرت حمامـة == فطالـت علـي حسرتـي وتنـدمـي
فان كنت مشتاق الـي ايمـن الحمـى = = وتهـوى بسكـان الخيام فانعم
خـذو بدمـي منهـا فانـي قتيلـهـا = = ولا مقـصـدي الا تجود وتنـعـمـي
ولا تقتلوها ان ظفـرتـم بقتلـهـا = = ولكن سلوها كيـف حـل لهـا دمـي
وقولوا لهـا يامنيـة النفـس اننـي= = قتيل الهوى والعشق لو كنت تعلمـي
ولاتحسبـوا انـي قتـلـت بـصـارم ٍ= = ولكن رمتنـي مـن رباهـا بأسهم ِ
مهذبـة الالفـاظ مَهْضُومَـةُ الحشـى = = حجازيـه العينيـن طائيـة الفـم ِ
مُنَعَّمَـةُ الأَعطَـافِ يَجـرِي وِشَاحُهَـا == عَلَى كَشْحِ مُرْتَـجِّ الـرَّوَادفِ أَهْضَـمِ
وممشوطه بِالمِسْكِ قَـدْ فَـاحَ نَشْرُهَـا = = بِثَغـرٍ ، كَـأَنَّ الـدُرَّ فِيـهِ ، مُنَـظَّـمِ
أغـار عليهـا مـن أبيهـا وأمـهـا = = ومن خطوت المسواك ان دار في الفمِ
أغـار علـى اعطافهـا مـن ثيابهـا ==ا ذا البستهـا فـوق جسـم منعـم
وأحسـد أقــداحاً تقـبـل ثغـرهـا == اذا أوضعتها موضع اللثم فـي الفم
ولمـا تلاقيـنـا وجــدت بنانـهـا == مخضبـة تحكـي عصـارة عندم
فَقُلْـتُ : خَضَبْـتِ الـكَـفَّ بَـعـدِي أَهَكَذَا == يَكُونُ جَزاءُ المُسْتَهَـامِ المُتَيَّـمِ ؟
فَقَالَت وَأَبْدَتْ فِي الحَشَا حُرقَة الجَـوَى = = مَقَالـةَ مَـنْ فِـي القَـوْلِ لَـمْ يَتَبَـرَّمِ
وَعَيْشِـكَ مَـا هَـذَا خِضَابـاً عَرَفْتُـهُ = = فَلا تَـكُ بالبُهْتـانِ وَالـزُّورِ مُتْهِمِـي
ولكنـنـي لـمـا رأيـتـك نـائـيـا = = وقد كنت لي زندي وكفـي ومعصمـي
بكيـت دمـا يـوم النـوى فمسحتـه == بكفـي فحمـرت بنانـي مـن دمـي
ولـو قبـل مبكـاه بكيـت صبـابـة == فكنت شفيـت النفـس قبـل التندم
ولكن بكـت قبلـي فهيجنـي البكـا == بكاهـا فقلـت الصـبـر للمتقـدم
بكيت على من بين الحسـن وجههـا == وليس لهـا مثـلا بعربـي وأعجم
أشارت برمش العيـن خيفـة أهلهـا == اشـارات محـزون ولــم تتكلـم
وايقنت ان الطرف قـد قـال مرحبـا = = فأهـلا وسهـلا بالحبـيـب المتـيـمِ
وآخـر قولـي مثلـمـا قـلـت أولاً = = أراك طـروبـا والـهـاً كالمـتـيـمِ

https://youtu.be/mWQSfLgUFMs?si=uxdQNS8PYoUc9tO4

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق