يأجوج ومأجوج: بين ظاهر النص وسحر الرمز
من يمعن النظر في قصتي يأجوج ومأجوج في القرآن الكريم، سيلاحظ تباينًا لافتًا في السياق والوصف. فالقصة الأولى تحكي عن ذو القرنين، ذلك القائد العادل، الذي شيد ردمًا عظيمًا ليمنع فتنة هؤلاء القوم الذين أفسدوا في الأرض، وكأن الردم كان حاجزًا بين حضارة واستقرار من جهة، وفوضى ودمار من جهة أخرى. أما القصة الثانية، فتنتقل بنا إلى مشهد مهيب من مشاهد آخر الزمان، حيث ينسل يأجوج ومأجوج من كل حدب، وكأن الأرض تقذف بهم من كل جانب، إيذانًا بانفراط عقد النظام، واقتراب ساعة الحقيقة.
ولعل أعمق ما يثير التفكير في هذه الآيات، هو أن الردم لا يُفتح فتحًا، بل يُدك دكًا، كما لو أن انهياره ليس مجرد حدث هندسي بل انهيار لحدود كانت تفصل بين قوى الخير والشر، بين النظام والفوضى.
أما عبارة "ينسلون من كل حدب"، فهي ترسم مشهدًا مثيرًا للخيال؛ مشهدًا قد يشير، في أحد أبعاده، إلى كائنات مستنسخة أو بشرية مكررة في نهاية الزمان، كأن البشرية تعيد إنتاج نفسها بطريقة خارجة عن الناموس الإلهي، فتغدو الآية إنذارًا مبكرًا من تكنولوجيا تجاوزت حدود الحكمة، أو انفجار سكاني بلا ضوابط، أو حتى اختراق جيني يفرّغ الإنسان من إنسانيته.
تعدد القراءات
في مواجهة هذا النص القرآني المعجز، انقسمت الآراء:
الرأي التقليدي: جمهور العلماء ذهبوا إلى أن يأجوج ومأجوج،فى كلتا القصتين هما أمتان من نسل آدم، محجوبتان خلف الردم الذي شيده ذو القرنين. وخروجهم سيكون علامة فارقة من علامات الساعة الكبرى، حين تفتح أبواب الغيب على مشهد النهاية.
رؤى رمزية أعمق:
ثمة من رأى في يأجوج ومأجوج رمزًا لقوى الشيطان المتخفية، التي ستطفو على السطح في آخر الزمان لتقود الإنسان إلى هاوية الفساد.
وآخرون اعتبروهم تجسيدًا للأهواء والشهوات الجامحة التي تستولي على عقول البشر وقلوبهم، فتمحو الفطرة وتشوّه الحضارة.
وهناك من قرأهم بوصفهم قوى الشر الكونية، التي لا تلبث أن تنفجر دفعة واحدة لتغمر العالم في صراع نهائي.
نحو تأويل مجازي
إننا اليوم، ومع هذا الكم الهائل من التغيرات البيئية، والتقنيات البيولوجية، والانفجارات السكانية، أصبحنا مدعوين أكثر من أي وقت مضى للتفكر في التفسير المجازي لهذه النصوص. فقد يكون يأجوج ومأجوج،فى كلتا الحالتين ليس بشرًا تقليديين، بل رمزًا متعدّد الأوجه: طوفانًا فكريًا، انحرافًا أخلاقيًا، أو حتى تسونامي تكنولوجي يفلت من قبضة الإنسان ذاته.
فهل نحن على مشارف انهيار الردم الذي يفصلنا عن فوضى كبرى؟
وهل من الحكمة أن نقرأ النصوص كما قرأها السابقون، أم أن في عمقها مفاتيح لزمننا نحن، وفهم لا يُفتح إلا لمن ألقى السمع وهو شهيد؟
https://youtu.be/EORRYoB3B2k?si=S18HH1Sfrw42ba1z
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق