لا يستبعد ان ما حدث بين يوسف والأمرأة هو مجرد رؤيا ،رأته الامرأة في منامها ،وكذلك رأه يوسف في منامه.
ثم انشر خبر تلك الرؤيا بين نساء المدينة ،فتحور وتبدل حتى اصبح في نظر النساء حقيقة..
وقد اوحت لي بذلك ،لفظة :وراودته. .
لان هذه اللفظة تستخدم ايضا ،عما يرأه النائم في منامه،
مثل : راودني طيفك في المنام وما شابه ذلك.
اليكم ترابط وانسجام بين الألفاظ والدلالات في النص القرآني، مع المقارنة بالتوراة، يمكن أن يبني فرضية قوية. دعني أبدأ بمسودة تحليلية للفكرة، ثم أُتبعها ببعض الشواهد من التوراة، وجمل مجازية في العربية تتصل بـ"راود" في سياق الرؤى.
"وراودته: هل كانت رؤيا؟ تأمل تأويلي جديد في سورة يوسف"
مقدمة:
سورة يوسف تتميز ببنية درامية ترتكز على الأحلام والرؤى. من رؤيا يوسف الطفولية إلى رؤيا الملك، تنسج السورة خيوط قصتها بألوان المنام أكثر من ألوان الواقع. ومن هنا، يظهر تساؤل لافت: هل كان ما حدث بين يوسف وامرأة العزيز واقعًا حسيًا أم رؤيا في المنام؟
تدل الآيات من 24 حتى 29 على مشهد محوري مثير، ترد فيه عبارة "وراودته التي هو في بيتها عن نفسه"، لكن هذه العبارة قد تحمل بُعدًا آخر غير الذي فهمه جمهور المفسرين.
أولًا: مركزية الرؤيا في سورة يوسف
الرؤى تُشكّل القالب السردي للسورة:
يوسف يرى أحد عشر كوكبًا يسجدون له.
الملك يرى سبع بقرات.
يوسف يفسر رؤى السجناء.
وختام السورة برؤيا يوسف تتحقق.
فهل يمكن أن يكون ما حصل مع امرأة العزيز أيضًا ضمن هذا الإطار الرؤيوي؟
ثانيًا: لفظ "راود" وارتباطه بالرؤيا في اللغة والمجاز
كثيرًا ما يُستخدم "راود" مجازًا للدلالة على فكرة تُلحّ في المنام أو على الحواس:
"راودني طيفك"
"راودتني رؤيا غريبة"
"يراودني حلم مقلق كل ليلة"
في الشعر العربي، تُستخدم "راود" للرؤى والأطياف والأوهام:
"يراودني طيفها كل مساءٍ
كأن الحلم أبواب اللقاء"
أي أن كلمة "راودته" لا تقتصر على طلب مادي حسي، بل تشمل الصور الذهنية والحسية في الحلم.
ثالثًا: مشهد يوسف وامرأة العزيز: هل كان حلمًا متبادلاً؟
الآيات من 24 إلى 29 تصف الحدث بطريقة تجعل القارئ يُخيّل إليه أنه واقع، لكن لا ترد فيها عبارات توكيد مادي كالمس أو الفعل الجنسي المباشر. بل هي وصف شعوري متوتر:
"ولقد همّت به وهمّ بها لولا أن رأى برهان ربه"
"واستبقا الباب"
هذه المشاهد تُشبه ما قد يحصل في رؤيا حسية شديدة التأثير، والتي يعيشها الرائي وكأنها واقع، ثم يستيقظ دون أن يتم الفعل.
رابعًا: قرائن من التوراة تدعم هذا الفرض
في سفر التكوين (الإصحاح 39)، نجد أن القصة تُروى باختصار، ومن أبرز ملامحها:
امرأة فوطيفار تطلب من يوسف: "اضطجع معي"
يوسف يرفض ويهرب.
لا يذكر النص أي تفاصيل جسدية أو حركية واضحة، بل يصف "محاولة متكررة" و"رفضًا متكررًا".ولم تذكر لفظة ،المراودة .
لكن اللافت أن التوراة لا تتحدث عن غلق الأبواب، ولا عن مشهد بصري حسي، مما يوحي أن ما حدث قد يكون في حلم أو تخيل عاطفي من المرأة.
خامسًا: المشهد الحسي عند رؤية النسوة ليوسف كان حقيقيًا
وهذا يتماشى مع. القول ،ان دخول يوسف على النسوة، وخروجه من السجن، كلها أحداث واقعية. لكن ما بين يوسف وامرأة العزيز يظل مشهدًا خاصًا، له طابع الحلم، مما يجعل الآيات التي وصفته تحاكي أسلوب الرواية الحلمية بلغة الحقيقة.
خاتمة:
السورة تمثل بناءً سرديًا بالغ الدقة، وتُدخل القارئ في طبقات من الواقع والحلم. وتأويل "وراودته" على أنها رؤيا، قد يكون أكثر انسجامًا مع طهارة يوسف، وقدسية النبوة، وبلاغة السرد القرآني، ويُعطي مشهد الفتنة بعدًا نفسيًا وروحيًا عميقًا، لا مجرد اختبار جنسي تقليدي.
التأويل الذي تقترحه للفظة "وراودته" في سورة يوسف، بأنها رؤيا أو حلم يوسف والمرأة معًا، هو فهمٌ مثير للاهتمام ويحمل أبعادًا روحية ونفسية عميقة. هذا الفهم ينسجم مع عدة نقاط ذكرتها، منها:
- طهارة يوسف وقدسية النبوة: تأويل المشهد على أنه رؤيا قد يُبعد أي شبهة قد تمس عصمة الأنبياء وطهارتهم، ويُبرز أن الامتحان كان من نوع آخر، أعمق من مجرد فعل جسدي.
- بلاغة السرد القرآني: القرآن غالبًا ما يستخدم ألفاظًا متعددة الأوجه تحمل معاني باطنية وظاهرية. تأويل "وراودته" كرؤيا يمكن أن يضيف طبقة أخرى من الإعجاز البياني، ويُظهر أن الفتنة لم تكن بالضرورة واقعًا ملموسًا بالمعنى الحرفي، بل قد تكون صراعًا داخليًا أو اختبارًا روحيًا.
- البعد النفسي والروحي: هذا التفسير يُحوّل المشهد من مجرد اختبار جنسي تقليدي إلى صراع نفسي وروحي يواجهه يوسف، حيث يتجلى صبره وعفته وتقواه في مواجهة إغراءات نفسية أو شيطانية في عالم الأحلام أو اليقظة.
تأملات في هذا التأويل
هذا الفهم يفتح بابًا للتأمل في أن الأحداث الكبرى في حياة الأنبياء قد تكون اختبارات نفسية وروحية عميقة، تتجاوز المعنى الظاهري للكلمات. فإذا كانت الرؤيا حقًا من أجزاء النبوة، فإن تعرض الأنبياء لرؤى تحمل تحديات أخلاقية أو إغراءات، ومن ثم انتصارهم عليها، هو دليل على كمال عصمتهم وسمو مقامهم.
يبقى هذا التأويل، كغيره من التأويلات، يعتمد على فهم القارئ وتدبره لآيات القرآن الكريم، ويضيف بعدًا جديدًا للتفكير في قصة يوسف عليه السلام الغنية بالدروس والعبر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق