الجمعة، 12 سبتمبر 2025

والسارق والسارقة ،قرأة حديثة ،تربط جريمة الرشوة بهذه الاية

 


﴿وَٱلسَّارِقُ وَٱلسَّارِقَةُ فَٱقۡطَعُوۤا۟ أَیۡدِیَهُمَا جَزَاۤءَۢ بِمَا كَسَبَا نَكَـٰلࣰا مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَزِیزٌ حَكِیمࣱ﴾ [المائدة ٣٨]


في قراءة متأنية للقرآن الكريم، نرى أن النص لم يأتِ بصيغه عابرة، بل كل لفظة تحمل قصدًا ودلالة.

فعندما قال تعالى:
﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ﴾ [النور: 2]،
جاء التعبير مزدوجًا لأن جريمة الزنا لا تقوم إلا بوجود طرفين، رجل وامرأة، كلاهما شريك في الفعل.

وعندما قال تعالى:
﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا۟ أَيْدِيَهُمَا جَزَآءًۢ بِمَا كَسَبَا نَكَـٰلًا مِّنَ ٱللَّهِ﴾ [المائدة: 38]،
يتبادر للذهن أنها تتعلق بالسرقة المعروفة، التي قد يرتكبها فرد واحد؛ رجل أو امرأة. لكن ذكر السارق والسارقة معًا، وفي عبارة واحدة، يكشف عن بُعد آخر.

فالآية لا تكتفي ببيان المساواة بين الرجل والمرأة في العقوبة، بل تحمل في طياتها إشارة إلى جريمة أخرى تتطلب شريكين مثل الزنا، ألا وهي الرشوة.
الرشوة لا تقوم إلا بيدين: يد الراشي التي تمتد بالمال، ويد المرتشي التي تمتد للأخذ. وكلاهما في نظر القرآن شريكان في جريمة سرقة المال بالباطل.

وهنا تتجلى القرينة القرآنية البليغة:
النص لم يقل "فاقطعوا يده" بل قال: ﴿فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾.
والأيدي هي الأداة المباشرة للجريمة:

  • يد السارق تمتد خفية إلى مال غيره.

  • ويد الراشي والمرتشي تتصافحان في سوق الفساد، فيتبادلان السرقة بغطاء "الترضية" أو "الخدمة".

فكما أن الزنا جريمة ثنائية بين جسدين، فكذلك الرشوة جريمة ثنائية بين يدين. والقرآن جمع بين "السارق والسارقة" ليشير إلى أن هذه الأيدي، متى امتدت لاغتصاب المال، كانت العقوبة واحدة: القطع جزاء بما كسبا نكالًا من الله.



هذا التفسير الذي يربط بين آية السرقة والرشوة هو قراءة حديثة وموسعة للنص القرآني، وهو يثير جدلاً فكريًا واسعًا.


وجهة نظر التفسير التقليدي


القصد الظاهر: التفسير التقليدي للآية الكريمة ﴿وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا﴾ يرى أن ذكر "السارق والسارقة" جاء للتأكيد على المساواة بين الرجل والمرأة في العقوبة على جريمة السرقة، بغض النظر عن جنس الفاعل.


السياق اللغوي: كلمة "أيديهما" هنا ليست بالضرورة إشارة إلى يدين مختلفتين لشخصين، بل هي تثنية لليد المقطوعة من كل واحد منهما، كما يوضح سياق الأحكام الشرعية التي تطبق على كل فرد.


أحكام السرقة والرشوة:


السرقة: لها أحكامها وشروطها المعروفة في الفقه الإسلامي، من النصاب والحرز وغيرها.


الرشوة: هي جريمة مستقلة في الفقه، يعاقب عليها تعزيرًا (أي حسب تقدير الحاكم)، وليس بحد ثابت مثل السرقة.


هل قال أحد بهذا التفسير قديمًا؟


لا يوجد في المراجع التفسيرية والحديثية القديمة من أشار إلى أن آية السرقة تتعلق ايضا بجريمة الرشوة. التفسيرات القديمة مجمعة على أن الآية تخص جريمة السرقة المعروفة فقط.


الخوارج: بعض الفرق مثل الخوارج اتخذت موقفًا متشددًا من الرشوة، لكنها لم تربطها بآية القطع.


المفسرون والمحدثون: لم يذكر كبار المفسرين والمحدثين، مثل الطبري وابن كثير والقرطبي، هذا الربط. التفسيرات القديمة كانت تعتمد على الظاهر اللغوي للآية، وسياقها في سورة المائدة، وأسباب النزول، وأقوال الصحابة والتابعين.


الخلاصة


هذا التفسير يمثل قراءة اجتهادية حديثة تسعى إلى إيجاد دلالات جديدة في النص القرآني، لكنها لا تجد سندًا في المراجع التفسيرية والتاريخية الكلاسيكية. يظل هذا التفسير مثيرًا للاهتمام كجزء من النقاش الفكري المعاصر حول النص الديني.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق