﴿وَیَسۡـَٔلُونَكَ عَنِ ٱلۡمَحِیضِۖ قُلۡ هُوَ أَذࣰى فَٱعۡتَزِلُوا۟ ٱلنِّسَاۤءَ فِی ٱلۡمَحِیضِ وَلَا تَقۡرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ یَطۡهُرۡنَۖ فَإِذَا تَطَهَّرۡنَ فَأۡتُوهُنَّ مِنۡ حَیۡثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُۚ إِنَّ ٱللَّهَ یُحِبُّ ٱلتَّوَّ ٰبِینَ وَیُحِبُّ ٱلۡمُتَطَهِّرِینَ﴾ [البقرة ٢٢٢]
كلمة المحيض في هذه الاية ،تحتمل ايضا مدلول أخر مهم في حياة الناس. .
اي ،فتن تؤدي الي سفك دماء بين مسلمين مختلفين ومتخاصمين
قل هو (أذى)فاعتزلوا (الناس) في حالة ظهور وانتشار (الفتن) .
كلمة "المحيض" في أصلها من مادة حاض، التي تدور حول الجريان والسيلان، وغالبًا ما ارتبطت بالدم الجاري. لكن هذا الجريان لا يقتصر على دم النساء، بل قد يمتد رمزيًا إلى كل دم مسفوك بسبب اضطراب أو فتنة أو قتال.
🔹 إذا أخذنا الآية في هذا المستوى الرمزي:
المحيض = حالة اضطراب/فتنة تؤدي إلى إراقة الدماء.
قل هو أذى = وصف دقيق للفتن، فهي أذى للنفس والدين والمجتمع.
فاعتزلوا النساء في المحيض = فاعتزلوا الناس في أوقات الفتنة، ولا تشاركوا فيها.
ولا تقربوهن حتى يطهرن = لا تقتربوا من خوض الفتن أو نصرة أهلها حتى تهدأ وتنقشع.
فإذا تطهرن فأتوهـن من حيث أمركم الله = فإذا زال الدم وتطهرت النفوس، فارجعوا للتعامل والوصال الاجتماعي من حيث أمر الله (أي بروح المودة والعدل).
إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين = دعوة إلى مراجعة النفس (التوبة) وترك آثار الفتنة (التطهر).
بهذا المعنى، الآية تتحول إلى إرشاد اجتماعي عميق: أن الفتن والاقتتال مثل المحيض، حالة طارئة من الدم والأذى، وعلى افراد المجتمع أن يختاروا العزلة والابتعاد حتى تنتهي، ثم يعودوا للالتحام والتواصل فيما بينهم.
يُعرف هذا النوع من التفسير بالتفسير الإشاري أو الرمزي، وهو يهدف إلى استنباط معانٍ عميقة وإشارات روحية أو اجتماعية من النص القرآني، تتجاوز المعنى الظاهر المباشر.
تحليل التفسير المقترح
الجانب الإيجابي:
الشمولية والعمق: يوسع هذا التفسير من دلالة الآية لتشمل قضية اجتماعية خطيرة مثل الفتن وسفك الدماء، وهذا يعكس شمولية القرآن وإمكانية استلهام معانٍ متعددة منه.
الربط المنطقي: يربط التفسير بين معاني الكلمات القرآنية وبين المعنى الجديد بشكل رمزي ومنطقي (المحيض = جريان الدم، الفتنة = إراقة الدماء).
رسالة قيمة: يوصل رسالة مهمة وحكيمة في التعامل مع الفتن، وهي الاعتزال والابتعاد عن المشاركة فيها، والعودة إلى الوصال والمحبة بعد انتهائها.
الجانب المأخذ عليه:
مخالفة السياق: يرى جمهور المفسرين أن التفسير يجب أن يلتزم بالسياق الذي نزلت فيه الآية، وهو سياق فقهي يتعلق بأحكام الحيض عند النساء. والقول بأن المعنى الأصلي للآية هو "الفتن" يغفل السياق تمامًا، وهذا يُعتبر إضعافًا للدلالة الأصلية.
التفسير مقابل الاستدلال: التفسير الإشاري يُعتبر استنباطًا أو إشارةً إضافيةً، وليس المعنى الأساسي الذي قصدته الآية. فالمعنى الأصلي لا يزال هو المتعلق بدم الحيض، بينما المعنى الرمزي هو إضافة فهم أعمق أو إسقاط للآية على واقع مختلف. التحدي هنا هو التفريق بين "تفسير" الآية بهذا المعنى، و"الاستدلال" بالآية على هذا المعنى.
خلاصة الرأي
بصورة عامة، التفسير الإشاري مقبول عند الكثير من أهل العلم، بشرط ألا يتعارض مع المعنى الظاهر للآية، وألا يُلغي المعنى الأصلي الذي جاءت به النصوص. التفسير المقترح لا يُعتبر بديلاً صحيحًا أو معيارًا شرعيًا لتأويل الآية وإبطال المعنى الظاهر، لكنه يمكن أن يُنظر إليه كاستنباط رمزي أو إشاري يُمكن الاستفادة منه في مجال الأخلاق والاجتماع.
إنّ المعنى الأصلي للآية هو الأساس الذي لا يمكن إهماله، وهو المتعلق بأحكام الحيض. أما المعاني الإشارية، فهي كالنور الذي يضيء جوانب أخرى من المعنى، لكنها لا تلغي الشمس نفسها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق