الأحد، 7 سبتمبر 2025

وكل شئ أحصيناه في إمام مبين ،قرأة حديثة علمية

 


📖 الذاكرة الكونية بين القرآن والعلم الحديث

قال تعالى:
﴿إِنَّا نَحۡنُ نُحۡیِ ٱلۡمَوۡتَىٰ وَنَكۡتُبُ مَا قَدَّمُوا۟ وَءَاثَـٰرَهُمۡۚ وَكُلَّ شَیۡءٍ أَحۡصَیۡنَـٰهُ فِیۤ إِمَامࣲ مُّبِینࣲ﴾ [يس: 12].

هذه الآية تفتح لنا أفقًا عجيبًا: فكل فعل بشري، وكل أثر ناتج عنه، بل كل حدث في الكون، مكتوب ومحصى ومحفوظ في "إمام مبين" أو "لوح محفوظ". فما الحكمة من ذلك؟ وما الفائدة للبشرية وللكون؟

يمكننا أن نفهم هذا على ثلاثة مستويات مترابطة:


1️⃣ المستوى الميتافيزيقي (العدل والميزان الكوني)

  • كل فعل بشري ليس مجرد حدث عابر، بل يدخل ضمن شبكة التوازن الكوني.

  • التسجيل الدقيق يضمن إقامة الحُجة والعدل يوم القيامة:

    ﴿وَوُضِعَ ٱلۡكِتَـٰبُ فَتَرَى ٱلۡمُجۡرِمِینَ مُشۡفِقِینَ مِمَّا فِیهِ وَیَقُولُونَ یَـٰوَیۡلَتَنَا مَالِ هَـٰذَا ٱلۡكِتَـٰبِ لَا یُغَادِرُ صَغِیرَةࣰ وَلَا كَبِیرَةً إِلَّاۤ أَحۡصَىٰهَا﴾ [الكهف: 49].


  • إذن، لا شيء يضيع أو يُنسى، بل كل ذرة عمل محسوبة في ميزان العدل.


2️⃣ المستوى الفكري–الإلهامي (الذاكرة الجمعية البشرية)

  • الأفعال والأفكار لا تُسجل فقط كأرقام، بل كطاقات معرفية وفكرية.

  • يمكن لهذه "الآثار" أن تصل للإنسان الجديد عبر الإلهام والحدس، كجزء مما يسميه علماء النفس "اللاوعي الجمعي".

  • القرآن نفسه يلمّح لفكرة الاستمرارية المعرفية:

    ﴿وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ﴾ [يس: 12]
    ﴿یُنَبَّأُ ٱلۡإِنسَـٰنُ یَوۡمَئِذِۭ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ﴾ [القيامة: 13].


  • "ما قدّم" = أفعاله المباشرة،
    "ما أخّر" = الآثار التي استمرت بعده (علوم، مؤسسات، عادات، حتى سنن اجتماعية).

  • وهذا يعني أن الأجيال اللاحقة تتغذى من بصمات الأوائل، سواء بوعي أو بغير وعي.


3️⃣ المستوى البيولوجي–الوراثي (الجينات والإيبيجينetics)

  • العلم الحديث يثبت أن تجارب الإنسان النفسية والسلوكية تُحدث تغييرات كيميائية على الجينات (Epigenetic Marks).

  • هذه التغييرات لا تموت بموته، بل تُورَّث للأبناء والأحفاد.

  • بهذا نفهم قوله تعالى:

    ﴿وَأَن لَّیۡسَ لِلۡإِنسَـٰنِ إِلَّا مَا سَعَىٰ ٣٩ وَأَنَّ سَعۡیَهُۥ سَوۡفَ یُرَىٰ ٤٠﴾ [النجم: 39–40].


  • فالسعي يُرى ليس فقط في صحيفة أعمال الفرد، بل في أجساد ذريته وسلوكهم، الذين يحملون آثار حياته.


🪐 توسيع الدائرة: الأحداث الكونية أيضًا

  • قوله: ﴿وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ فِي إِمَامٍ مُبِينٍ﴾ [يس: 12]

  • يشمل ليس فقط الإنسان، بل كل حركة في الكون: النجوم، المجرات، الكوارث، الميلاد والموت، كلها محفوظة.

  • هذا "الإمام المبين" هو ذاكرة كونية شاملة، أشبه ببنية معلوماتية تحفظ تفاصيل نشوء الكون وتطوره.


✅ الخلاصة

التسجيل الكوني له فوائد متعددة:

  • ميتافيزيقيًا: ضمان عدل مطلق يوم الحساب.

  • معرفيًا: نقل آثار السابقين عبر الذاكرة الجمعية والإلهام.

  • بيولوجيًا: تمرير التجارب عبر الجينات للأبناء.

  • كونيًا: حفظ حركة الكون في ذاكرة شاملة تضمن استمراريته.

إذن، "الإمام المبين" أو "اللوح المحفوظ" ليس فكرة جامدة، بل هو ذاكرة وجودية كبرى، يستفيد منها الإنسان مباشرة وغير مباشرة، في الدنيا وفي الآخرة، ويستفيد منها الكون ككل في حفظ توازنه ونظامه.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق